الثلاثاء، 23 فبراير 2010

قبل أن تضيع صناعة الرخام

نقلا عن المصرى اليوم:
بقلم د. درية شرف الدين ٢٣/ ٢/ ٢٠١٠

ما الجديد الذى سينضم إلى قائمة الاحتجاجات والاعتصامات وارتفاع الشكاوى وهبوطها دون حل أو أمل فى الوصول إليه فى القريب أو حتى فى البعيد غير العاجل؟ هذه المرة الجديد هو صناعة الرخام فى مصر. ومن المُدان؟ من الوهلة الأولى المُدان فى نظرنا هم الصينيون الذين وصلوا إلى منطقة شق الثعبان حيث تتمركز هذه الصناعة كأكبر منطقة فى مصر وثالث أو رابع منطقة فى العالم، لكن من الوهلة الثانية وما بعدها فإن المُدان هو نحن، كيف؟

يحكى لى، بأسى، صديق يعمل فى هذه المنطقة منذ سنوات فى مهنة ورثها عن أبيه وجده: مئات من مصانع شق الرخام وتصنيعه تعمل فى شق الثعبان منذ أكثر من ثلاثين سنة ربما يصل عددها إلى ثمانمائة مصنع وورشة، يعمل فى كل منها حوالى ثلاثين فرداً يعولون ثلاثين أسرة، نستقبل كتل الرخام الآتية من المحاجر فى الجبال ونقوم بشقها وتحويلها إلى طاولات أى ألواح كبيرة البعض منها يتم استكمال تصنيعه وبيعه محلياً، ومعظمه فى السنوات الأخيرة كان يتوجه إلى الصين أكبر بلد مستورد للرخام المصرى حيث تمنع القوانين تصدير كتل الرخام الغشيم دون هذه المرحلة من التصنيع الأولىّ وهى النشر والتقطيع طبقاً للائحة التصدير ومحاذير الرقابة على الصادرات، كانت المصانع تعمل وفقاً لهذه القواعد،

ولكن منذ أكثر من عام ونصف وفى ظل تراخى الرقابة على تنفيذ القوانين وفى ظل عدم الاستماع إلى شكاوانا، بدأ الصينيون فى شراء كتل الرخام الغشيم من المحاجر وتصديرها مباشرة فى حاويات ضخمة وعبر السفن إلى بلادهم دون أن تمر بمرحلة النشر والتقطيع، وذلك معناه توقف مصانعنا أو معظمها، ثم استكملوا المشوار بأن تواجدوا بأنفسهم فى منطقة شق الثعبان بأجهزة حديثة للشق وتقطيع الرخام واستئجار مصانع من أصحابها المصريين ولأعوام طويلة ومبالغ مغرية وتشغيلها بمعرفتهم وتصدير منتجاتها إلى الصين مباشرة .

قال الصديق الحزين على ضياع قوانين الدولة تحت سمع وبصر المسؤولين وضياع حقوق الناس فى ورش ومصانع أنفقوا عليها الأموال والعمر وعاشوا فى منطقة صعبة جرداء من كل شىء فلا مياه ولا صرف صحى دفعوا تكاليفه من سنين ولم يأت بعد وأصبحوا أحد موارد أموال الدولة المهمة قال: أصبح الآن تصدير كتل الرخام الغشيم للصين أمراً واقعاً رغم ما ينطوى عليه من مخالفة وبدلاً مـن المنـع وتسجيـل المخالفـة وإنـزال العقوبـات حمايـة لهيبـة الدولة وحقـوق المصريين فوجئنا بقواعد جديدة تقنن هذه المخالفات برسوم هزيلة على الصينين،

فهم المصدرون الآن وتقدر بثمانين جنيهاً رسم صادر على كل طن رخام أى ما يقدر بحوالى ٢٤٠٠ جنيه على كل حاوية تحمله إلى الخارج واعتبرت الدولة أن حصولها على هذه المبالغ الهزيلة لقاء تصدير كتل الرخام الغشيم تصحيح للوضع، لكنها لم تدرك أن ذلك تدمير لصناعة قائمة وكبيرة وتشريد لعمّالها، المهم الآن ومع تلك الرسوم الجديدة أغلق الكثير من المصانع أبوابها، والقليل منها يعمل بخمسين فى المائة فقط من طاقته الإنتاجية وتم تسريح عمالها بما يحملونه من خبرة متراكمة وتكتفى الدولة بالفرجة وتقنين الخطأ وقبول مخالفة القانون والإضرار بصناعة قائمة كانت قابلة للتطوير والنمو.

سألت الصديق الحزين، صاحب مصنع الرخام المغلق، لماذا لم تقدموا شكوى للمسؤولين فى وزارة الصناعة والتجارة وإلى الوزير مباشرة؟ ابتسم فى مرارة وهز رأسه وقال: لا نستطيع الوصول لأحد، من يتولون المجلس التصديرى للرخام لا يتحركون إلا إذا مست الأمور مصالحهم الشخصية، ونائب مجلس الشعب عن الدائرة لانراه إلا فى مناسبات الانتخابات، ومسؤولو وزارة الصناعة والتجارة لا نستطيع أن نصل إليهم أو نقابلهم، فأكملت أنا: وهذا بلاغ منك لمن يهمه الأمر علّه يجد يوماً آذاناً صاغية قبل أن نبكى على صناعة ضاعت كغيرها.